
لبنان يستنجد بأموال المغتربين لإنقاذ اقتصاده

هواكم: تضاءلت الأوراق الاقتصادية لدى الحكومة اللبنانية، التي تعول بشكل أساسي على حائط الصد الأخير وهو استمرار تحويلات المغتربين، التي تواصل دورها كأكبر محرّك لاستمرار دوران عجلة الاقتصاد وحماية النظام المالي من المخاطر في ظل التباطؤ الشديد في حل الأزمات المزمنة بسبب التجاذبات السياسية.
بيروت - وجهت بيروت بوصلتها إلى الملايين من المغتربين اللبنانيين مرة أخرى بحثا عن دعم مالي أكبر، وذلك ضمن مساعيها الرامية إلى تخفيف الأزمات المتراكمة التي تعاني منها الدولة منذ سنوات.
ولدى السلطات قناعة بأن التعويل على تحويلات المغتربين سيدعم الاستثمار وينمح النظام المالي جرعة تحفيز جديدة تزيد من صلابته أمام المخاطر المالية المحتملة، وبالتالي ضخ إيرادات إضافية في خزينة الدولة.
ودعا الرئيس ميشال عون في كلمة ألقاها خلال افتتاح النسخة السادسة من “مؤتمر الطاقة الاغترابية”، الذي تنظمه وزارة الخارجية سنويا، المغتربين إلى المساهمة في الانتعاش الاقتصادي في بلدهم.
وقال إن “لبنان يقاتل اليوم للتخلص من أزمات اقتصادية مزمنة ومتراكمة ولكنه يسلك درب التعافي”، مشيرا إلى أن “كل جهد من المنتشرين اللبنانيين سيساعده”.
وأضاف “من شأن المؤتمر أن يسهم إيجابيا في نمو الاقتصاد وتفعيل التبادل التجاري بزيادة الصادرات إليها وأن يسهم في تشجيع الشركات الناشئة وفي مشاريع إعادة إعمار سوريا والمشرق”.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن حوالي 18 مليون مغترب من أصل لبناني ينتشرون في مختلف أنحاء العالم، وتبلغ قيمة ودائعهم في المصارف اللبنانية قرابة 35 مليار دولار.
ويؤكد المسؤولون والخبراء أن تحويلات المغتربين اللبنانيين تلعب دورا مهمّا في اقتصاد البلاد لكونها أحد العوامل المؤثرة في الناتج المحلي الإجمالي، وفي معدلات النمو.
وتعد هذه الأموال من أبرز روافد القطاعين المصرفي والعقاري، بالإضافة إلى البُعد الاجتماعي الذي تؤديه في دعم الأُسر، ولذلك فإن حركتها تبقى موضع رصد دائم من الهيئات الدولية والمحلية.
كما تمثل التحويلات أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة في بلد يعاني من أعلى مستويات الديون عالميا، في ظل التباطؤ الاقتصادي السائد وتقلص المداخيل السياحية، التي كانت تساهم بنحو 20 بالمئة.
ووفق بيانات البنك الدولي، فقد تراجعت تحويلات المغتربين العام الماضي لتبلغ حوالي 7.2 مليارات دولار، بعد أن لامست حاجز التسعة مليارات دولار بنهاية 2014.
ويعزى كثيرون التراجع في قيمة تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج إلى السياسات الإصلاحية التي تتبعها دول الخليج بسبب انخفاض مستوى أسعار الطاقة منذ منتصف عام 2014.
وتشكل التحويلات نحو 14.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، التي تعتبرها طيلة عقود طويلة أداة مساندة لا يمكن الاستغناء عنها في ميزان المدفوعات.
وتأتي نصف تلك التحويلات كل عام من دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات، حيث يعيش أكثر من نصف مليون لبناني هناك.
ولم يتأثر المغتربون بالفوضى السياسية، التي تعيشها بلادهم طيلة السنوات الأخيرة، حيث واصلوا في انتهاج سياسية تحويل أموالهم إلى المصارف المحلية، وليحتل لبنان صدارة دول الشرق الأوسط في احتساب نسبة التحويلات إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12.7 بالمئة.
ويرى محللون أن لبنان، الذي ينتظر الدعم الخارجي بفارغ الصبر عبر تنفيذ وعود وتعهدات مؤتمر سيدر المنعقد في أبريل العام الماضي بباريس، يمكنه الاكتفاء مؤقتا بطاقات انتشار المغتربين في العالم لتفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص.
7.2 مليار دولار تحويلات المغتربين العام الماضي مقارنة بنحو 9 مليارات دولار في 2014
وبإمكان المغتربين أن يكونوا شركاء للدولة في مشاريع استراتيجية مثل الكهرباء وتدوير النفايات وسكك الحديد والمرافئ البحرية والمشاريع الاستثمارية الضخمة.
ويقول تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين إن تحويلات المغتربين تكتسب أهمية كبيرة لكونها تدخل في النظام المصرفي وفي الاستثمارات سواء كانت عقارية أو في الشركات.
وتكافح الحكومة برئاسة سعد الحريري، لمعالجة الاختلالات المالية المزمنة من خلال برنامج إصلاح يكون مستندا على موازنة 2019.
وتم الاتفاق على بنود الموازنة بعد ماراثون من المشاورات استمر لعشر جلسات متتالية، وسط احتجاجات شريحة واسعة من المواطنين على سياسة التقشف، التي تتبعها الحكومة.
وتشكك تقارير عالمية في قدرة الموازنة اللبنانية الجديدة على استعادة الثقة في الاقتصاد المتعثر رغم تأكيد المسؤولين اللبنانيين على أنها وضعت الاقتصاد على طريق الأمان.
وقالت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيفات الائتمانية الشهر الماضي، إن خطط لبنان لخفض عجز موازنة هذا العام إلى 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي قد لا تكون كافية لاستعادة الثقة المتضررة في البلد المثقل بالديون.
وكان الدين العام اللبناني قد تجاوز في نهاية العام الماضي حاجز 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ثاني أعلى نسبة في العالم بعد اليابان.
وستذهب قرابة 35 بالمئة من الموازنة، التي يتوقع أن تصبح نافذة المفعول مع إقرارها من البرلمان قبل نهاية يونيو، إلى الرواتب ومعاشات التقاعد، و35 بالمئة خدمة دين عام، و11 بالمئة عجز كهرباء، وما يقارب 9 بالمئة إنفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة.
ويؤكد حذر المسؤولين في خفض الإنفاق بسبب الاحتجاجات الواسعة المعارضة لإجراءات التقشف، أن بيروت قد تعجز عن تحقيق الأرقام المستهدفة.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا نتحمل مسؤولية الأراء الورادة بهذه التعليقات
لا يوجد تعليقات في الوقت الحالي!
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا نتحمل مسؤولية الأراء الورادة بهذه التعليقات