القصة الفعلية للسيدة التي "استفاقت" من الغيبوبة بعد 28 عاماً

غيبوبة دامت 28 عاما  (رويترز)

غيبوبة دامت 28 عاما (رويترز)

تابعنا على:   01:58 2019-05-18

في العام 1991، تعرّضت منيرة عبد الله، وهي سيدة كانت في الـ 32 سنة من الإمارات العربية المتحدة، لحادث سيرٍ أسفر عن تعرّضها لإصاباتٍ شديدة في الدماغ. وأفادت تقارير الأطباء آنذاك بأنه من الممكن جداً ألا تستعيد كامل وعيها من جديد. لكن في أواخر العام 2018، أيّ بعد مرور ثلاثة عقود تقريباً على الحادث، ظهرت عليها علامات التعافي، حيث نادت ابنها باسمه.

وفي 22 أبريل (نيسان) 2019، أصبحت قصّتها على كلّ شفةٍ ولسان بعد أن نُشرت مقابلة لابنها في "ذا ناشونال" (وهي صحيفة إخبارية إماراتية بارزة باللغة الإنجليزية). وفي اليوم التالي للمقابلة، نقلت وسائل إعلام عالميّة القصة فتصدّرت العناوين بكلمات مثل "معجزة العصر الحديث: امرأة تستفيق من الغيبوبة بعد حوالي ثلاثة عقود".

وصيغت القصة بطريقةٍ استثنائية وملهمة، تلقّيتُ على أثرها وابلاً من الاتصالات الهاتفيّة من صحافيين يسألونني تفسير ما حدث. هل كانت منيرة عبد الله عالقة حبيسة جسدها كلّ هذه المدة؟ وكيف ستتكيّف مع العالم الحديث؟ وما الذي تعنيه يقظتها للعائلات التي تنظر في ما إذا كان الموت أرحم على أحبّائها من الغيبوبة؟

وعلى خطى هؤلاء الصحافيين – العاملين ضمن إطارٍ زمني صارم – اعتمدتُ على تقرير "ذا ناشونال" لفتح نقاشٍ عام حول مسألة السيدة عبد الله. وصحيح أنّ الأسلوب الذي انتهجته أبعد ما يكون عن المثالية، إلا أنّ اطلاعي على المصدر الأساسي للرواية أكّد لي أنّ وصف هذه الحالة بالـ "معجزة" مُغالى فيه ومبالغ في تبسيطه، على الرغم من أنّها حالة غير اعتيادية.

التشخيص

أورد تقرير "ذا ناشونال" أنّ السّيدة عبد الله لم تكن دائماً في حالة "غيبوبة مستدامة" (أيّ أنّها لم تكن في حال عدم إدراك كليّ لنفسها والبيئة المحيطة بها) ومنذ البدء شُخصت حالتها على أنها تتمتع بـ"الحدّ الأدنى من الوعي". وظهرت عليها بين الحين والآخر علامات وعيٍ أساسية ضئيلة، ولو بدرجة بسيطة. وكلّ هذا عنى بأنّ السيدة عبد الله كانت أقدر على استعادة كامل وعيها ممّا لو كانت في حال غيبوبة مستدامة.

ولكنّ هذا التشخيص لم يُذكر في بعض التقارير اللاحقة؛ وقلما استُخدم مصطلح "الحد الأدنى من الوعي"، ولكن حين استخدامه غالباً ما اقترن بكلمة "غيبوبة" أو "غيبوبة عميقة مستدامة" على منوال جعل دلالته غامضة.

العلاج

تؤدي إعادة التأهيل دوراً يعتدّ به في تحفيز التعافي من إصابات الدماغ، كما أنّ التدخل العلاجي المتخصّص وإجراءات إعادة التقييم تساهم في وقاية الوعي من مضاعفات الألم والعوامل السريرية المتفاقمة أو التأثير المنوم والمهدئ للأدوية مثلاً. ومن المهم لفت النظر هنا إلى أنّه، وقبل حدوث "المعجزة"، نُقلت السيدة عبد الله إلى مركزٍ متخصّص حيث خضعت لجراحة أطراف وعلاج فيزيائي، واستفادت من أجهزة رصدٍ مطوّرة لنوبات الصرع.

لكن، وعلى الرّغم من الرابط المحتمل بين هذا العلاج والتعافي أو الانتقال إلى مستويات أعلى من الوعي، تبيّن لي أنّ المراسلين فضّلوا فكرة "المحفّز السحري". والدليل على ذلك تركيز كثير من المقالات الثانوية على كلام الابن عن ازدياد أمه وعياً بعد خوضه جدالاً كبيراً وهو إلى جانب سريرها. "شعرَت أنني في خطر"، قال لـ " ناشونال"، "وهذا ما تسبّب لها بصدمة".

"اليقظة"

من المرجّح أن يعاني المرضى الذين يستفيقون من حالة طويلةٍ من الحدّ الأدنى من الوعي (وهو أمر شائع في السنوات القليلة الأولى) من اضطرار جسديّة وذهنيّة حادة ودائمة. ومن المرجّح أن يظلوا معتمدين اعتماداً كلياً على الآخرين للحصول على الرعاية اليومية وأن لا يكونوا قادرين على اتخاذ خيارات مهمة تخصّ حياتهم. وثمة احتمال كبير بأن يشعروا بالضياع ويعجزوا عن تذكّر ما حصل منذ لحظات قليلة وعن خوض أحاديث مطوّلة رداً على أسئلة طُرحت عليهم.

وبحسب وصف "ذا ناشونال"، فإنّ حال السيدة عبد الله اليوم بعد الغيبوبة يتّفق مع هذا المستوى من التعافي، وقيل إنّها قادرة على التواصل "في أحوال مألوفة"، ونُقل عن ابنها قوله "لمّا أبدأ بتلاوة إحدى الصلوات، تقوم أمي بإكمالها".

ولكنّ اللغة التي اعتمدتها بعض المقالات – لاسيما عبارة "استيقاظ" – توحي بأنها تعافت بشكل أوفى وأكمل. وهذا بالفعل ما حدا بالصحافيين إلى سؤالي عمّا إذا كانت السيدة عبد الله قادرة على التأقلم مع الإنترنت أو التحوّلات التاريخية أو التغيّرات السياسية – أسئلة لا تمّت بأي صلّة إلى السيدة عبد الله التي من المستبعد أن يكون في مقدورها استيعاب كثير عن العالم من حولها.

واليوم الذي كرّستُه للتفاعل مع الصحافيين حول هذه القصة، كان مفيداً، ولاقى نجاحاً متفاوتاً. وعلى العموم، أعتقد أن تجربتي تؤكّد ضرورة سعينا بصفتنا أكاديميين، إلى وضع كلّ رواية مستجدّة في سياقها، لكنّ حرّياً بنا التزام حذر شديد حين لا تُتاح لنا فرصة البحث والتدقيق في تفاصيلها. وتُبرز تجربتي كذلك أهمية لجوء الصحافيين إلى الخبراء المعنيين وتفاديهم تكرار الخرافات الثقافية عن مرضى متلازمة "الأميرة النائمة" أو مرضى استفاقوا من الغيبوبة كما استفاق "رب فان وينكل من نومه في قصة روائية خيالية للكاتب الأميركي واشنطن إيرفينع".

وبالنسبة إلى الرأي العام عموماً والأسر في حالاتٍ مشابهة خصوصاً، أتمنّى أن أكون قد وضّحتُ الحاجة المستمرة إلى ااعتماد مقاربة شك إزاء تقارير الوسائط الإعلامية. من المهم جداً تسليط الضوء على أساسات هذه التقارير والحقائق الكامنة خلف عناوينها. وفي هذه القصة تحديداً، قد يكون من الضروريّ أيضاً البحث عن تقارير متابعة طبية تكشف عمّا يُخبئه المستقبل للسيدة عبد الله، قل، أيّ تقرير عن حالتها صادر عن الأطباء المعالجين.

جيني كيتزينجر هي بروفسورة في مجال أبحاث التواصل في كلية الصحافة والإعلام والثقافة، ومديرة مشاركة في مركز الأبحاث عن الغيبوبة واضطرابات الوعي في جامعة كارديف. صدر هذا المقال للمرة الأولى في "ذا كونفرسايشن".

© The Independent

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا نتحمل مسؤولية الأراء الورادة بهذه التعليقات

لا يوجد تعليقات في الوقت الحالي!

أضف تعليقك

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا نتحمل مسؤولية الأراء الورادة بهذه التعليقات